| 0 التعليقات ]

المرأة الصالحة قوام السعادة الزوجية .. ؟؟


السعادة كل السعادة هي في إدراك المقاصد ونيل الرغائب الخيرة، التي هي غاية الخلق وعلة الوجود (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، فهي تتمثل في التمسك بكل سبب خير يبلغ بصاحبه سبل النجاة، وبالتحرز عن كل سبب خذلان يجر به إلى هاوية الهلاك والخسران.
وإن أولى امارات السعادة هي الإيمان الحقيقي بالله ورسوله وأولي الأمر والإرتباط الدائم بساحة القدس، والرضوان والسعي الدائب الحثيث للعمل بأوامر الله ومراضيه والتناهي عن سخطه ومعاصيه. وما في ذلك من نتائج محمودة وآثار ملموسة تنعكس آثارها على الفرد نفسه والدوائر الإجتماعية المحيطة به، إذ إن بصلة الإيمان نور يشرق في القلب فيزهره ويضيء قدّاسة فيُريه كل شيء على حقيقته، إن كان حسناً أو سيِّئاً. لذا فإن صاحب الإيمان يعيش قمة السعادة وذروتها، فهو يعيش مع الواقع في كل شيء في ذاته أو في تعامله مع أسرته أو في تعامله مع الآخرين، بعيداً عن الأوهام والخيال واضطراب الأفكار وإختلاف الرؤى وسيطرة الأنا وحب الذات.
ولما كان الإطمئنان الروحي وسلامة القلب هما سنام السعادة وأصلها، ولا يمكن إستقصائهما في القصور العالية والمراكب الفاخرة أو الأموال المكتنزة في قناطير الذهب والفضة، بل في ربيع الذكر الإلهي وواحة الإيمان، يمكن أن نشم عبير السعادة وعطرها الفواح (... فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود/ 105-108).
- السعادة مفهوم روحي وعاطفي:
وعلى هذا فليست السعادة مفهوم مادي محدود، بل هي مفهوم روحي وعاطفي، إحساس يرتبط بالإنسان بالدرجة الأولى، ومن ثمّ على العوامل الإجتماعية الأخرى المحيطة به ومقدار تأثيرها عليه، وإرادته في التكيف معها أو الخضوع لها أو ترويضها بشكل ينبثق مع الواقع ويساير الأحداث. فمن الناحية الفردية، تعتمد السعادة على أسلوب التربية التي تعرض لها الفرد في حياته، وعلى المحيط الذي تربى في أحضانه وترعرع ونشأ في أجوائه، إضافة إلى أن نفس التعامل الفردي يكسب الإنسان سعادة أو شقاء. مثل طريقة تعامله مع الآخرين وقدرته في إقامة العلاقات الوجدانية المخلصة البعيدة عن المصلحية والأنانية. والحفاظ على جسور المحبة ومد أواصر العلاقة والمودة بين القلوب.
قد يتصور بعضنا أنّ السعادة نجمة سحرية تقع في أحضان هذا فتهبه حظاً سعيداً وفوزاً وإقبالاً في كل شيء، وقد تفوت الآخر فتتركه شقياً بائساً سيئ الحظ أينما يتوجه لا يأت بخير، وأينما يذهب يقفل خائباً خاسراً صفر اليدين. في حين أن سُنّة الله في خلقه تقضي بغير ذلك، وتدعو للعمل والسعي الحثيث للوصول إلى منابع الخير والأمن والرفاه (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) (النجم/ 39)، فالسعادة هي حصيلة جهود الإنسان نفسه وقدرته على تهيئة أسبابها وإيجاد أرضيتها، فهي ليست منحة يتفضل بإعطائها إياه الآخرون؛ بل هي إحساس طيب بعد كل عمل صالح ونيّة طيِّبة وسُنّة حسنة "هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهواني والبطالة" الإمام علي (ع).
- الإيمان.. أساس السعادة الزوجية:
الحياة الزوجية المشتركة هي الواجهة التي يستطيع كلا الزوجين أن يعكسا من خلالها قدرتهما في إسعاد أحدهما الآخر، إذ إنّ الزواج هو المجال العملي ليظهر كلا الزوجين عبره كفاءتهما الأخلاقية وملكاتهما النفسية، فمهما أراد سواء الزوج أو الزوجة تصنّع حسن الخلق وكمال الأفعال لفترة ما فإنّه لا يستطيع الإستمرار والمقاومة في ذلك، دون أن تبرز الأيام مساوئه أو محاسنه وتظهره على واقعه، لأن طبيعة الحياة الزوجية وما يحكمها من التقارب والإلتقاء القلبي والبقاء المستمر إلى جانب الآخر، فإنّه يكفي في أن يكشف كل واقعه دون مواربة أو مغايرة. من هنا فإنّ المرأة والرجل اللذان قد ترتبت أصولهما على الإيمان والعقيدة وتغذت جذورهما من مبادئ الدين والرسالة، فإن أحدهما سوف يكون حصناً للآخر (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ) (النور/ 26)، وستكون علاقتهما قائمة أوّلاً على أساس الإيمان ثمّ حقوق الزوجية، فيغدو أحدهما ستراً إيمانياً وحجاباً أخلاقياً للآخر (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187).
لهذا نرى الآيات القرآنية الكريمة، حينما تصف المؤمنين الصالحين الذين نالوا ثواب الله في الجنة، تصفهم بأنهم كانوا في أهلهم وذويهم مشفقين بشفقة الإيمان فمنَّ الله عليهم ووقاهم عذاب الجحيم (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) (الطور/ 25-27).
وهذه الشفقة تحمل في جوانبها معاني الرحمة والرأفة التي يغدقها الزوج على الزوجة أو الزوج مع أولاده، وكذا بالنسبة للزوجة، ومنها نستشف أثر الإيمان في ترسيخ دعائم الحياة الزوجية وحفظ وإستمرار كينونتها "لا يسعد أحد إلا بإقامة حدود الله ولا يشقى أحد إلا بإضاعتها" الإمام علي (ع).
- المرأة الصالحة.. قوام السعادة:
ولا غرو أن يعتبر الإسلام المرأة الصالحة هي الأساس في زرع بذور السعادة في الحياة الزوجية، لأنّها هي منبع الرحمة ومنهل المودة الذي يفيض فيشمل كل فرد في الأسرة بغيثه، وهي المسؤولة أوّلاً وآخراً عن تأمين العواطف ونشر السكينة وتقوية أواصر الأسرة، وفوق ذلك كله هي أفضل سند وأقوى معين لزوجها المؤمن في أمور دينه ودنياه، فهي ملجأه ومأواه حين تصفعه المشاكل والهموم، وتشتد به الأحوال وتسلمه الأمور. من هنا يجعل رسول الإنسانية المرأة الصالحة خير متاع الدنيا، وهي خير ما يكسبه الرجل بعد التقوى، حيث يقول (ص): "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزّوجلّ خيراً له من زوجة صالحة".
- عوامل السعادة:
هناك عوامل كثيرة تلعب دوراً مهماً في تعزيز علائق المحبة بين الزوجين وإيجاد أرضية السعادة نسلِّط الضوء على المهم منها:
* التقارب القلبي:
النفوذ إلى القلب وإحتوائه فن لابدّ لكل من الزوج والزوجة، وهما يخوضان صراع الحياة الشائكة، من إتقانه والعمل على رفع كل حجاب يمكن أن يكون عائقاً دون تعانق القلوب وإلتقائها، فعندما تنشدّ القلوب إلى بعضها بعضاً ويحدث الإنسجام والألفة، يشعر كلا الزوجين بأنهما غير قادرين على الإفتراق من بعضهما. وأن أيّة قوة - مهما كانت - لا تستطيع أن تفرق بينهما. وهذا الإلتقاء يعينهما على مواجهة صعاب الحياة ومشاكلها وتبديدها بوحدة قلبيهما وتقارب غايتهما.
* معاً في السرّاء والضرّاء:
في وسط الأمواج المتلاطمة والرياح العاصفة، يبحث المرء عن ملجأ ومتكى يستند إليه ويفرغ إليه همه وغمه، ومَن أولى من المرأة للرجل؟ إذ تشعره بأنها شريكة حياته في كل شيء، وهي معه تعضده في كل معضلة وشدة. وكذلك الرجل بالنسبة للمرأة، يشعرها بأنّه كالأب العطوف الذي يشملها بعنايته وحمايته. غير أن ذلك يستوجب صفات لابدّ من توفرها للوصول إلى هذه المرحلة الحسّاسة في الحياة الزوجية: ألا وهي صفات الوفاء، والثقة المتبادلة، ونكران الذات، ووضع جميع الإمكانيات والطاقات تحت تصرف الزوج، ومواساته في همومه، وعدم جرح مشاعره باللوم والمحاسبة أو الإقتصاص منه، وإنتظار هذه الفرصة لإظهار ضعفه وعدم مقدرته: فهذا كله ينافي الأدب الإسلامي في تعامل الزوجين بعضهما بعضاً، وينافي أوامر الله في التعاون والتعاضد في البلاء والرخاء. ولتكن المرأة المؤمنة كمولاتنا فاطمة الزهراء (س) لزوجها: حيث يقول أميرالمؤمنين (ع)، وهو رجل الحروب وميادين الجهاد: "كنت إذا نظرت إلى وجه فاطمة تنفرج عنِّي الهموم".
* المعرفة التامة:
لا شكّ في أنّ الزوج والزوجة كل منهما يتّبع المحيط الذي ترعرع فيه وتربّى على تقاليده وأعرافه، وأكثر المشاكل التي تحدث بين الزوجين تحدث عادة في السنة الأولى بعد الزواج، وذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم معرفة وإحاطة الزوجين برغبات وصفات بعضهما بعضاً. فكلما تمر الأيام تزداد هذه المعرفة، وتكون سبباً في زيادة المحبة وقوة أواصرها، وذلك لأنّ المعرفة بحاجات الرجل ورغباته، ومعرفة الرجل بإحتياجات المرأة ورغباتها، وسعي كل طرف منهم لقضاء تلك الحاجات، وإشباع تلك الرغبات يزيد من التفاهم والتقارب بينهما، والإغضاء في بعض الأوقات عن بعض المطالب تنازلاً عند رغبة الطرف الآخر، مما يشعر الزوجين بتفاني أحدهما للآخر، وسعي كل منهما لتوفير أسباب الراحة والسعادة والأمان للآخر.
* ترك الإنتقاد الجارح:
إثر الصحبة الدائمة والمعرفة التي تتم بين الزوجين تنكشف نقاط الضعف، ويبدو كل منهما على حقيقته، مما يستلزم من الزوج والزوجة أن يكون أحدهما مكملاً للآخر، وليس مفتشاً للعيوب وباحثاً عن العثرات والذنوب. وفي حالة وجود نقاط ضعف عند الزوجة مثلاً، ينبغي للزوج أن يتغاضى عنها ويبادر لتقويتها من غير تسقيط أو تضعيف لزوجته، أو إثارة ذلك الجانب الضعيف وإظهاره بين الجميع أو التشهير به. وهذه الطريقة في التعامل ليست فقط لا تعالج نقطة الضعف تلك، بل توسِّع رقعة الخلاف والشجار وتدعو الزوجة لمواجهة زوجها بنفس الأسلوب، والبحث عن عيوبه ونقائصه للتشهير بها وإذاعتها. وتوصيات أئمة الدين والهدى تكاد تركز كثيراً على هذا المجال، فتدعو الرجل للرفق بالمرأة وإكرامها، وأن جهلت يغفر لها كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع) عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ما حق المرأة على زوجها الذي إن فعله كان محسناً؟ قال: "يشبعها... وإن جهلت غفر لها".
* حُسن الخُلق:
الأخلاق الحسنة والتعامل الإيجابي للزوج أو الزوجة يستطيع أن يجتث الكثير من النقائص والسلبيات الموجودة لدى الطرف الآخر، لأن طبيعة الخُلق الحسن تترك آثارها بشكل سواء أبى الطرف المقابل بأن يستسيغها أم لا. وعلى مدى الأيام، يستطيع أحدهما أن يزرع محاسن الأخلاق عند زوجته، بأن يستقيم هو على الأخلاق الطيِّبة والصفات الحميدة، ولا يحيد عنها قيد أنملة، ولأن فعل الأخلاق الجميلة أكثر أثراً وأمضى دواء لعلاج الكثير من التنافرات والمشاكل. ومهما كان الطرف الآخر (أحد الزوجين) سيِّئ الخلق ولكن شريكه يستطيع وبفعل إستقامته وحسن سلوكه أن يجبره على سلوك نفس الأسلوب الطيب، ولكن مع المصابرة والمرابطة وسعة الصدر والتحمل. وكثير من التجارب أثبتت إنّ الصبر على سوء خلق الزوج أو الزوجة قد أثمر وبعد سنين نتائج طيِّبة وغير متوقعة، ولا يبعد الصبور الظفر وإن طال به السُرى.
* الإحترام المتبادل:
إحترام الآخرين، وإحترام آرائهم وشخصياتهم إحدى علامات الشخصية الناجحة والناضجة، وهذا الإحترام مطلوب أكثر بين الزوجين داخل الأسرة، وهي أصغر مؤسسة إجتماعية تحتاج إلى إدارة وحُسن تدبير أشراف، مما يحتم على قطبي هذه المؤسسة أن يضعا هذه النقطة نصب أعينهما، واحدهما يحترم مسؤوليات وجهود الآخر ويقدرها ولا يقلِّل من شأنها، وكما أنّ الإحترام بين الزوجين مطلوب فيما بينهما وأمام أطفالهما الذين سيكون أبويهما قدوة لهما في المستقبل، وكما هو أمر حسّاس في داخل الأسرة، فهو أكثر حسّاسية فيما إذا كان الزوجان بين مجتمع أكبر يتمثل بذوي الطرفين، حيث انّ الإحترام في هذا الموقع له دور أكبر في ترسيخ دعائم الأسرة وتثبيت قوائمها، وإغلاق أي نافذة يمكن أن تكون باباً لإنحراف الأسرة عن جادة الوئام والصلح ودخولها باب الإختلافات والمشاجرات.
* الزُّهد والقناعة:
وكما قيل "القناعة كنز لا يفنى"، فإنّ الرضا بالواقع الموجود، وقبول الإمكانات المتوفرة لدى الزوجين يعينهما على شق طريق الحياة بسلامة وبعيداً عن الآمال الكاذبة والأوهام. فإن أحد أسباب السعادة هو أن يعيش الإنسان واقعه وينسجم معه ويسعى لمستقبل أفضل ونتائج أجود، فالتوقعات الزائدة وعدم الرضا بقضاء الله يجعل الإنسان يعيش حالة من التعب النفسي والملل والسأم، بينما جُعل الروح والراحة والهناء كله في الرضا والقناعة. وإن إغضاء المرأة عن بعض آمالها التي لا يستطيع الرجل توفيرها لها، وعدم إعلامه بها وإظهارها أمامه هو أحد أسباب السعادة، لأنّ المرأة التي تكلف زوجها ما لا يطقه لا يكلمها الله يوم القيامة ولا ينظر إليها وهي بعيدة عن رحمة الله وإحسانه.
* نكران الذات:
حبُّ الذات لا يدع مجالاً لصاحبه في أن يسعد الآخرين أو يحسن إليهم، لأنّه لا يرغب في الخير إلا لنفسه، لا يسعى إلا لمصالحه ولجلب كل نفع وحسن صوبه، لهذا فإنّ الأناني لا يستطيع أن يكون سعيداً، ولا يستطيع أن يسعد أحداً لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو يرغب أن يحترم هو فقط، وأن تحترم آراؤه، وأن تتحقق رغباته، وأن يسعى الجميع لخدمته، وأن يكونوا كلهم قيد أوامره وجنوداً أوفياء لمطالبه. وأمّا في المقابل، فهو غير حاضر لإسداء معروف لأحد أو بذل ما عنده من عطف ومحبة حتى لزوجه وأولاده. والحديث النبوي الشريف يقول: "لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة".
وكلمة أخيرة فإنّ السعادة هي أن يكون المرء قادراً على خلقها وإبداعها في واقعه وإحساسها في نفسه.

0 التعليقات

إرسال تعليق